وفي ظروف القلق والمعاناة والحيرة اشتعلت الانتفاضة المباركة في الأرض المقدسة، ودهش العالم كله للانحياز الأمريكي الصارخ لليهود، واستجمعت ذاكرة هؤلاء الشباب كل الأعداء الذين نكلوا بالمسلمين، وارتكبوا أبشع الجرائم في التاريخ سواءً في البوسنة أو الفلبين أو الصومال أو جنوب السودان أو تيمور أو في الجمهوريات المستقلة، وإذا بهم يتشخصون في شخص واحد هو "أمريكا" وما لها من توابع، أي أن الانتفاضة الفلسطينية هي التي حددت ملامح هذا العدو الأخطبوطي بوضوح.
ولأول مرة تطابقت آراء المجاهدين في كل مكان مع آراء الحكومات العربية كلها بأن أمريكا غير عادلة، بل لا تحب العدل ولا تعرفه، ووصل العداء لـأمريكا ذروته في الصيف الماضي حين اتخذت الحكومات العربية مواقف واضحة الدلالة على الإحباط واليأس من اعتدال السياسة الأمريكية، فبعضهم حمّل أمريكا كامل المسئولية عن الإرهاب الصهيوني، وبعضهم حذرها جداً من عواقبه؟ فلم يعد في إمكان بشر ولو قُدَّ من حجر أن يسكت على طائرات ف16 والأباتشي وهي تلاحق سكان المخيمات الفقيرة المعزولة وتقتل النساء والشيوخ، ثم يأتي الموقف السياسي في مجلس الأمن فيضفي العدالة المطلقة على الإرهاب الصهيوني ويتهم المستضعفين بالإرهاب!!
إن أشد الناس تحالفاً مع أمريكا في أوروبا وغيرها استهجنوا ذلك وانضموا إلى موقف الشعوب الإسلامية التي سرى فيها الشعور بضرورة إيقاف هذا العدوان والانتقام للمظلومين سريان النار في الهشيم، فلم تقتصر على المتدينين، بل وصلت إلى محترفي اللهو والتمثيل.
وتجاهلت أمريكا كل هذا مع تكرار التحذير من عاقبته حتى أن مصر وجهت لها تحذيراً شديد اللهجة قبل الحادث بأيام فقط. أما العلاقات السعودية الأمريكية فقد وصلت إلى أسوأ مرحلة في تاريخها.
وفي ذروة ذلك الغضب والغليان وقع الحادث فابتهج لـه المسلمون في كل مكان، لا شماتة ولا تعاطفاً مع الفاعل - الذي لم تظهر أي إشارة إلى هويته بعد - بل تنفيساً عن ذلك القهر وذلك الإحباط، وأملاً في أن يردع الأمريكيون حكومتهم الغاشمة بعد أن ذاقوا يوماً واحداً مما يذوقه المسلمون كل يوم، وفي كل مكان - لاسيما في فلسطين - وعلى مدى عقود طويلة!!
ولكن هل كان في ذلك عبرة لواشنطن ومن وراءها؟ هل اعترفوا بمسئوليتهم في هذه المشكلات؟ هل راجعوا سياساتهم تجاه الشعوب الإسلامية، أو اتجهوا إلى ذلك وفكروا في إعطاء الفرصة ليعبد هؤلاء ربهم في بلادهم بأمن ويدعوا إلى الله بصبر وحكمة؟
إن الإجابة معروفة للعالم كله وأسوأ ما فيها أنهم لم يكتفوا بالتهرب من المسئولية بل ألقوها كلها على عاتق المسلمين وشخصوها في شخص (حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان = طالبان) وأجلبوا بخيلهم ورجلهم وإعلامهم وحلفائهم لتدميرها ومن ثم الانطلاق إلى غيرها!!
ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام مشكلة أخرى من صنع أمريكا نفسها ونجد ظلماً صارخاً تنتهجه أمريكا وحلفاؤها!!
فلنتعرف إذن على طالبان وموقفها بعدل في الفقرة التالية: